رمضان.. فضائله، أركانه، فوائده، سننه و مكروهاته

رمضان.. فضائله، أركانه، فوائده، سننه و مكروهاته

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، أما بعد: 

فإن الصوم أحد أركان الإسلام العظام المعلوم من الدين بالضرورة دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، وتواترت في فضله الأخيار، ولا شك أن هذه العبادة الجليلة مشتملة على جملة من الشرائط والأركان والواجبات والمستحبات التي أمر الله بها، كما أن للصوم مفسدات ومحرمات ومكروهات نهى الله عزّ وجلّ عنها. وللصوم فوائد مختلفة وحقائق قلبية متعددة؛ لذا يجب على المسلم معرفة هذه الأمور ليعبد ربه -عزّ وجلّ- على بصيرة، ولتكون العبادة مقبولة يثاب عليها الصائم بعظيم الثواب. 

وإليك أخي القارئ شيئاً من ذلك: 

من فضائل شهر رمضان: 

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]. 

وقال صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به. والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يسخب، فإن سابه أحدا أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك. وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه» [متفق عليه]. 

• وقال صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال أين الصائمون، فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلن يدخل منه أحد» [رواه البخاري ومسلم]. 

• وقال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري ومسلم]. 

• وقال صلى الله عليه وسلم: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: أي رب، إني منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه؛ فيشفعان» [رواه أحمد وغيره وحسنه الهيثمي، وصححه الألباني]. 

مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام
يا حبيباً زارنا في كل عام

***

قف لقيناك بحب مفعم
كل حب في سوى المولى حرام

***
فاغفر اللهم منا ذنبنا
ثم زدنا من عطاياك الجسام

***
لا تعاقبنا فقد عاقبنا
قلق أسهرنا جنح الظلام



أركان الصيام: 

أركان الصيام أربعة وهي:

1- النية. 

2- الإمساك عن المفطرات (كالأكل والشبر ونحوهما). 

3- الزمان (من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس). 

4- الصائم (المسلم، البالغ، العاقل، القادر على الصيام الخالي من الموانع كالمسافر، والمريض، والحائض والنفساء). 

فوائد الصيام:

أ‌- فوائد روحية: 

1- يوجِد في النفس ملكة التقوى التي هي من أعظم أسرار الصوم.

2- يعوِّد الصبر ويقوي الإرادة. 

3- يعوِّد ضبط النفس ويساعد عليه. 

4- يكسر النفس. فإن الشبع والروي ومباشرة النساء تحمل النفس على الأشر والقطر والغفلة. 

5- يساعد على تخلي القلب للفكر والذكر... فإن تناول الشهوات قد يقسي القلب ويعميه ويحول بين القلب وبين الذكر والفكر ويستدعي الغفلة، وخلو البطن من الطعام ينور القلب ويوجب رقته ويزيل قسوته ويهيئه للذكر والفكر. 

6- يضيق مجاري الدم التي هي مجرى الشيطان الوسواس الخناس من ابن آدم، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فتسكن بالصيام وساوس الشيطان وتنكسر قوة الشهوة والغضب. 

ب‌- فوائد اجتماعية: 

1- يعوِّد المسلمين النظام والاتحاد. 

2- ينشر العدل والمساواة بين المسلمين. 

3- يكوِّن في المؤمنين الرحمة وينمي السلوك الحسن. 

4- يعرف الغني قدر نعمة الله عليه بما أنعم عليه ما منع منه كثيراً من الفقراء من فضول الطعام والشراب واللباس والنكاح، فإنه بامتناعه عن ذلك في وقت مخصوص وحصول المشقة له بذلك يتذكر به من منع من ذلك على الإطلاق فيوجب له ذلك شكر نعمة الله تبارك وتعالى عليه بالغنى ويدعوه إلى مساعدة إخوانه الفقراء. 

5- يصون المجتمع من الشرور والمفاسد. 

ت‌- فوائد صحية: 

1- يطهر الأمعاء. 

2- يصلح المعدة.

3- ينظف البدن من الفضلات والرواسب. 

4- يخفف من وطأة السمن وثقل البطن بالشحم. 

محرمات الصوم ومكروهاته:

أ‌- محرمات الصوم:

وهي التي حرم على الإنسان فعلها في غير رمضان، ويتأكد التحريم لشرف الزمان وفضيلة شهر رمضان وهي الكذب والغيبة والنميمة وفحش القول والنظر إلى البرامج والأفلام الخليعة وسماع الأغاني وغيرها. قال صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه» [رواه البخاري]. 

ب‌- مكروهات الصيام: 

1- المبالغة في المضمضة والاستنشاق.

2- ذوق الطعام بغير حاجة. 

3- أن يجمع الصائم ريقه ويبتلعه. 

4- مضغ العلك (اللبان) الذي لا يتحلل منه أجزاء (فإذا تحلل منه فإنه مفسد للصيام).

5- القبلة لمن تحرك شهوته. 

6- ترك الصائم بقية طعام بين أسنانه. 

7- شم ما لا يأمن أن تجذبه أنفاسه إلى حلقه كمسحوق المسك والبخور. 

8- وصال الصوم يومين أو أكثر دون أن يأكل بينهما. 

سنن الصيام:

يستحب للصائم أن يفعل الأشياء التالية: 

1- كثرة قراءة القرآن العظيم بخشوع وتدبر. 

2- كثرة ذكر الله -عزّ وجلّ-. 

3- الإكثار من الصدقة. 

4- كف فضل اللسان والجوارح عن فضول الكلام والأفعال التي لا إثم فيها.

5- تعجيل الفطر. 

6- الفطر على رطبات وترا، وإلا على تمرات وإلا على ماء. 

7- الدعاء عند فطره. 

8- السحور مع تأخيره إلى قبيل الفجر. 

9- تفطير الصائمين. 

10- الاعتكاف في العشر الأواخر. 

11- قيام لياليه وخاصة ليلة القدر. 

حقائق الصوم القلبية:

هي ستة أمور: 

1- غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره، وإلى كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله. 
2- حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء. 

3- كف السمع إلى الإصغاء إلى كل مكروه، لأن ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه، ولذلك قرن الله -عزّ وجلّ- بين السمع وأكل السحت. قال تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42]. 

4- كف بقية الجوارح من اليد والرجل عن الآثام والمكاره. وكف البطن عن كل طعام مشبوه وقت الإفطار. فلا يليق بالمسلم أن يصوم عن الطعام الحلال ثم يفطر على الطعام الحرام. 

وقد قال صلى الله عليه وسلم: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع» [صححه الألباني]. 

5- ألا يتكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلئ بطنه، فما من وعاء أشر من بطن مليء من حلال. 

6- أن يكون قلبه بعد الإفطار مضطرباً بين الخوف والرجاء، إذ لا يدري أيقبل صومه، فيكون من المقربين أو يرد عليه، فيكون من الممقوتين؟ وليكن كذلك في آخر كل عبادة. 

مدرسة الصوم:

الصيام من أعظم ما يعين على محاربة الهوى، وقمع الشهوات، وتزكية النفس وإيقافها عند حدود الله تعالى، فالصائم يحبس لسانه عن اللغو والسباب والانزلاق في أعراض الناس، والسعي بينهم بالغيبة والنميمة المفسدة، والصوم يمنع صاحبه من الغش والخداع والتطفيف والمكر وارتكاب الفواحش والربا والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل بأي نوع من أنواع الاحتيال، والصوم يجعل المسلم يسارع في فعل الخيرات من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة على وجهها الصحيح وجهاتها المشروعة. ويجتهد في بذل الصدقات، وفعل المشاريع النافعة، والصوم يحمل صاحبه على تحصيل لقمة العيش على الوجه الحلال والبعد عن اقتراف الإثم والفواحش. 

شهر الجهاد والنصر:

إن شهر الصوم هو شهر الجهاد في سبيل الله، وفي شهر الصوم كانت معظم انتصارات المسلمين، ففي رمضان من السنة الثانية للهجرة انتصر الإسلام على الشرك في غزوة بدر الكبرى، وفي رمضان من السنة الخامسة كان استعداد المسلمين لغزوة الخندق، وفي رمضان في السنة الثامنة للهجرة تم الفتح الأعظم فتح مكة، وفي رمضان في السنة التاسعة حدثت بعض أعمال غزوة تبوك، وفي رمضان السنة العاشرة بعث الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على رأس سرية إلى اليمن. 

مفسدات الصوم:

للصوم مفسدات إذا حصلت في نهار رمضان:

1- الأكل والشرب متعمداً. 

2- الجماع. 

3- إنزال المني باختياره. 

4- الحجامة. 

5- التقيؤ عمداً. 

6- خروج دم الحيض والنفاس. 

7- ما كان بمعنى الأكل والشرب كالإبرة المغذية. 

نداء:

أخي الكريم...
أتاك شهر رمضان، وشهر التوبة والغفران، شهر تضاعف فيه الأعمال، وتحط فيه الأوزار فجد فيه بالطاعات وبادر فيه بالحسنات. 

أخي الكريم... ألم يإن لك أن تقلع عن هواك، ألم يإن لك أن ترجع إلى باب مولاك، أنسيت ما خولك وأعطاك، أليس هو الذي خلقك فسواك، أليس هو الذي عطف عليك القلوب وبرزقه غذاك، أليس هو الذي ألهمك الإسلام وهداك، إرفع أكف الضراعة لمولاك، وقف ببابه، ولذ بحماه، فمن وقف ببابه تلقاه، ومن لاذ به حماه ووقاه، ومن توكل عليه كفاه، فبادر بالتوبة قبل لقياه، لعلك تحظى بالقبول، وتدرك المطلوب. 

وفي الختام نسأل الله -عزّ وجلّ- أن يتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال إنه سميع مجيب. 

وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.            (أيمن الشرادي)

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire